مجاهد "يتسلق الشجرة التي تُخفي الغابة" في العلاقات المغربية الإسبانية

 



جددت الدبلوماسية المغربية، خلال الأيام القليلة الماضية، الروابط بإفريقيا جنوب الصحراء بخطوات عديدة؛ تقدمتها رسائل ملكية محمولة إلى رؤساء بلدان عديدة، واستقبالات همت وزراء الخارجية بغرض تداول مستجدات الساحتين القارية والإقليمية.

وحمل المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، رسائل ملكية إلى رؤساء جيبوتي والصومال وجزر القمر. كما سلم يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، رسالة ملكية إلى الرئيس الموريتاني. وفي فاس، استقبل ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، نظيريه المالي والغيني.

ولم يعد التحرك المغربي في إفريقيا جديدا بعد اختيار العودة إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2016؛ وهو ما ضمن حضوره على واجهات اعتادت على استفراد الدبلوماسية الجزائرية الحضور فيها وتمرير خطاب معاد للمغرب ومساند لجبهة “البوليساريو” في قضية الصحراء.

ويلعب المغرب أوراقا عديدة على المستوى الإفريقي؛ فبالإضافة إلى الرهانات السياسية والاقتصادية، تشكل تحركات المملكة في وقف الإرهاب والعصابات المسلحة عنصرا مؤسسا لعلاقاتها مع إفريقيا جنوب الصحراء، كما يعتمد عليها الأوروبيون في تدبير ملف تدفق الهجرة السرية.

نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، قال إن هذه الخطوات تؤكد أن الأمر يتعلق بتحرك دبلوماسي متجدد للخارجية المغربية على أعلى المستويات لتعزيز التواجد المغربي بالفضاء الإفريقي.

واعتبر الأندلوسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنها مؤشر على وجود إرهاصات تحرك مغربي جديد لتعزيز سيادة المملكة على كامل التراب الوطني بالصحراء المغربية، وهذا ما يمكن ربطه مع ما نشرته بعض المنابر الإعلامية الإسبانية في الأيام القليلة الماضية بشأن تحركات مغربية في إطار الاستعداد للقاء رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا بداية العام المقبل، لطرح مسألة السيطرة الجوية الكاملة للمملكة على تراب إقليم الصحراء المغربية، بدل الوضع الحالي الذي تتشارك في المراقبة الجوية لهذه المنطقة ثلاث دول؛ وهي المغرب وإسبانيا وموريتانيا.

وأكد المصرح لهسبريس أن هذه التحركات الدبلوماسية على المستوى الإفريقي مرتبطة بالدرجة الأولى بقضية الصحراء المغربية، وهي تحركات سواء بالنسبة إلى الوزراء أو مستشاري الملك تتم بتوجيهات من الملك على اعتبار أن الشأن الخارجي مجال محفوظ له.

وتابع الأندلوسي: “المغرب تبنى، منذ عودته إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، سنة 2017، مقاربة تدريجية تقوم على التوافق والمصالح الإستراتيجية المتبادلة، وفق ما عبر عنه الملك محمد السادس في إحدى خطبه، بالاستناد على “رؤية استراتيجية ترتكز على معرفة دقيقة بالواقع الإفريقي”.

وسجل الباحث المغربي أن إفريقيا بالنسبة للمغرب تحدّ يجب أن يكسبه، والعودة إلى الاتحاد الإفريقي لم تكن غاية في حد ذاتها وإنما الغاية كانت في التأثير الذي تستتبعه العودة؛ وعلى رأسها تكوين رأي عام إفريقي داعم للسيادة المغربية على كامل ترابه.

ونبه الأندلوسي إلى أن قطبي العداء للمغرب بإفريقيا، هما الجزائر وجنوب إفريقيا، وما عداهما من الدول، وحتى التي تعترف بـ”البوليساريو”، لا تحمل عداء عقائديا وإيديولوجيا بمفهومهما السياسي للمغرب؛ وهو ما يفتح الباب لإمكانية إقناعها برجاحة الموقف المغربي وعدالة القضية التي يدافع عنها، وهي في الأصل الدفاع عن السيادة الوطنية للدول.

من جانبه، قال نوفل البوعمري، الباحث في قضية الصحراء، إن الأمر لا يتعلق بمستجد في عمل الدبلوماسية الملكية؛ بل تبليغ الرسائل الملكية كانت دائما من صميم التحركات الملكية التي يتكلف فيها مبعوثه بإيصال رسالة معينة إلى قائد بلد آخر، وهي طريقة عمل دبلوماسية موجودة في كل البلدان وتشكل واحدة من التحركات الدبلوماسية للدول، خاصة عندما تكون هناك رغبة في إيصال مواقف معينة أو معطى دبلوماسي يهم العلاقات الثنائية للبلدين.

واستنتج الباحث في قضية الصحراء أن هذا التحرك الذي جرى القيام به ليس بجديد، ولا هو خارج عن الممارسة الدبلوماسية؛ بل من صميم العمل الدبلوماسي الذي تشهده مختلف بلدان العالم.

وأكد المتحدث ذاته أن التحدي الجزائري هو قائم بالنسبة للمنطقة ككل وليس المغرب فقط، وهو تحد لا يعتبر أولوية في عمل الدبلوماسية الملكية التي تجاوزت الصراع مع النظام الجزائري.

وسجل البوعمري أن الملكية المغربية أصبحت جزءا من ترتيبات دولية كبيرة تتعلق بحوار الحضارات والثقافات وصناعة السلام والإسهام في السلم والأمن الدوليين ولعب دور الوسيط في نزاعات إقليمية عديدة؛ لذلك، فما يمكن تسميته بالتحدي الجزائري لم يعد ضمن الأجندة الدبلوماسية المغربية، خاصة أن المغرب حسم نزاع الصحراء لصالح مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لإنهاء النزاع

أضف تعليقك

أحدث أقدم