باحثان ينسبان "أحداث الريف" إلى سلطوية الدولة وضعف الأحزاب

باحثان ينسبان "أحداث الريف" إلى سلطوية الدولة وضعف الأحزاب
قال بلال التليدي، الكاتب والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إنّ الحَراك الاجتماعي الذي تشهده منطقة الريف، والحراك الاحتجاجي الموازي له في مناطق أخرى، هو نتاج "أزمة نسَق" تعيشها الدولة، ابتدأت مع الانتخابات التشريعية لسنة 2007، بظهور إشكال مركزي مرتبط بإعادة ضبط الحياة السياسية، عبر التدخل في شؤون الأحزاب السياسية لصُنع التوازن.
سعي الدولة المركزية إلى إحداث توازن في المشهد السياسي، يُردف التليدي، في مداخلة له ضمن حلقة دراسية نظمها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، حول "المشهد السياسي بالمغرب بين تفاعلات الحراك الاجتماعي وآفاق المسار الديمقراطي"، جاء إثر التحوّل الكبير الذي شهده المجتمع المغربي، منذ 2006، والذي واكبه طلب كثيف من المجتمع لحياد الدولة.
هذا الطلب الكثيف من المجتمع لحياد الدولة، حسب التليدي، جعل الإدارة تفقد عناصر الضبط السياسي، ما حذا بها إلى البحث عن فاعل سياسي يقوم بهذا الدور. "وهذا ما يفسر الاستثمار الذي قامت به الدولة لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي، من خلال حركة لكل الديمقراطيين، ثم إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة"، يوضح المتحدث، لكن هذا "الاستثمار الضخم"، بحسبه، أربكته المتغيرات المرتبطة بحراك 2011 غير المتوقع.
واعتبر التليدي أنّ سيناريو المآل الذي كان سينتهي إليه الوضع السياسي في المغرب كان سيكون أكثر سلبيا مما هو عليه الآن، لو لم يأتِ "الربيع العربي"، الذي حجّم مطامع السلطة في بسط التحكم في مفاصل المشهد السياسي. غير أن الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير سنة 2011 لم يُفض إلى رفع الدولة المركزية يدها عن المشهد السياسي، "بل تحوّل التحكم إلى تحكُّم ناعم"، كما يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية.
واعتبر التليدي أنّ "أزمة النّسق" و"أزمة السلطوية" تعمَّقت أكثر بعد سنة 2011، إذ استطاعت حركة 20 فبراير خلخلة المشهد السياسي المغربي، وإرباك حسابات الدولة، التي كانت تراهن على حزب الأصالة والمعاصرة لإعادة ضبط المشهد السياسي، مشيرا إلى أنّ ما حدث بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وما تلاها من "بلوكاج حكومي"، وتعيين حكومة وفق أجندات لا علاقة لها بنتائج الاقتراع، كان الهدف منه تصدير الأزمة السياسية إلى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين.
وفيما تتوالى التكهنات حول مستقبل حزب الأصالة والمعاصرة، وما إن كانت الدولة ستتخلى عنه وتعوضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، قال التليدي إن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي قال إنّ الدولة تقدم له "الصيروم" للبقاء، "كان مكلّفا والتخلّص منه صعب"، مشيرا إلى أنّ "فشل حزب الأصالة والمعاصرة في أداء المهمة التي أنشئ من أجلها جعل الذين أنشؤوه في حيرة".
التوترات الاجتماعية متلازمة مع الفشل الديمقراطي
عبد العالي حامي الدين، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، تحدث في معرض مداخلته عن التوترات الاجتماعية التي يعرفها المغرب، وخاصة ما يجري في الريف، معتبرا أن هذه التوترات "كانت متلازمة مع الفشل الديمقراطي"، على غرار التوترات التي حصلت في فترات أخرى من تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال، كأحداث 1965، و1981، و1991...وغيرها.
وعدّ حامي الدين ما وصفه بـ"الانقلاب" على نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016، التي كان من المتوقع أن تقود إلى حكومة قوية، من الأسباب الرئيسية للتوترات الاجتماعية التي يعرفها المغرب في الوقت الراهن.
واعتبر المتحدث ذاته أنّ الأحداث التي تشهدها منطقة الريف منذ ثمانية أشهر لم تكن ناجمة عن تأخر إنجاز مشروع الحسيمة منارة المتوسط، بل هي مرتبطة بالاختلالات الكبيرة التي واكبت الانتخابات في المنطقة، على حد قوله.
وقدّم حامي الدين جُملة من المعطيات التي قال إنها تؤكد حصول خروقات انتخابية في الحسيمة، قائلا: "لقد سجلنا تقييد السلطة للناخبين في اللوائح من خارج نفوذ الدوائر الانتخابية التي تسجلوا فيها. وحالةُ الحسيمة تمثل تمرينا للتلاعب بأصوات الناخبين، إذ إنها المدينة الوحيدة التي خرجت فيها ثمانية أحزاب سياسية للتنديد بنتائج الانتخابات. كما أنّ حزب الأصالة والمعاصرة حصل على عدد مقاعدَ برلمانية لا يتناسب وحجمَه السياسي".
وفيما لازالت تفاعلات حراك الريف مستمرة، دون أن يلوح في الأفق حل قريب، قال حامي الدين إنّ السعي إلى التحكم في المشهد السياسي هو الذي أفضى إلى عودة "انتهاكات على درجة عالية من الخطورة، وعلى رأسها العودة إلى ادّعاءات ومزاعم التعذيب، الذي لم يعُد مقبولا بعد دستور 2011"، منتقدا قرار وزير العدل ضمّ التقرير الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مزاعم تعذيب معتقلي "حراك الريف" إلى ملفّ القضية، "بمعنى أنّ ما كشفه التقرير ليس جريمة متكاملة"، على حد قوله.
في هذا الإطار، دعا أستاذ العلوم السياسية والمستشار البرلماني الحكومة إلى تحمّل مسؤوليتها؛ وذلك بأن يأمر وزير العدل والحريات بفتح تحقيق معمّق حول مزاعم التعذيب التي قال معتقلو "حراك الريف" إنهم كانوا عرضة لها، ما دام أنّه لازال مشرفا على النيابة العامة، مضيفا، حين تطرّقه إلى الشريط الأخير لناصر الزفزافي: "المغرب اختار القطع مع التعذيب بشكل إرادي، ولا يمكن استخدام آليات التعذيب الجديدة هذه في إطار الصراع بين مراكز القوة"

أضف تعليقك

أحدث أقدم