كما كان متوقعا، أثار إنهاء مشروع قانون يتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة، الذي صادقت عليه الحكومة وناقشه البرلمان، أمس الأربعاء، علاقة النيابة العامة مع السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، جدلا واسعا وذلك بعدما تمت إثارة غياب رقابة المؤسسة التشريعية على الجهاز القضائي، خصوصا في ما يتعلق بتنفيذ السياسة الجنائية.
وأجمعت فرق الأغلبية والمعارضة على عدم صوابية نقل رئاسة النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، والذي تمت المصادقة عليها في الولاية السابقة، وجاء مشروع قانون يتعلق بـ"اختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها"، لإنهاء العلاقة بينهما خلال أكتوبر المقبل.
وعن دوافع تقديم الحكومة لمشروع قانون علاقة النيابة العامة مع السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، عوض مرسوم، قال محمد أوجار، وزير العدل، إن ذلك راجع إلى كون القانون الجديد ينظم الحقوق والحريات؛ لذلك فهو يدخل في مجال القانون.
وقال أوجار، خلال رده على مداخلات الفرق البرلمانية بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، إنه جرى تحميل هذا القانون أكثر مما يحتمل، وأن هذا الأمر كان يمكن أن يتم بمرسوم، مضيفا أنه لإشراك المؤسسة البرلمانية تم إعداد مشروع قانون لأن له علاقة بمجال الحقوق والحريات.
وفي الوقت الذي أوضح فيه أوجار أن بنية النيابة العامة تحتاج إلى الوسائل والآليات للاشتغال وتحتاج الإمكانات التي كانت لدى وزير العدل الذي يتوفر على مديرية للشؤون الجنائية، أكدت آمنة ماء العينين، النائبة البرلمانية عن فريق العدالة والتنمية، أن "نقل تبعية النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام قرار خاطئ وغير ديمقراطي، ويتنافى مع ربط المسؤولية بالمحاسبة".
وأشارت ماء العينين، باسم فريقها المنتمي إلى الأغلبية، إلى أن "البرلمان أخطأ في قرار تاريخي، عندما جعل المزايدات السياسية تنقل مجالا من رقابته وسلطته إلى مجال لا يخضع لأي رقابة أو مساءلة"، مسجلة أن "نفس التخوفات التي كانت مطروحة بتبعية النيابة العامة لوزير العدل ستظل قائمة؛ بالنظر إلى أنه إن كان الوزير إنسانا، فالوكيل العام كذلك إنسان، لكن الأول يراقب والثاني لا يراقب برلمانيا".
"هامش الخطأ وإمكانية التوجيه موجودة في الحالتين؛ لكن هذا القانون غير مفهوم، لأنه لم يرد الإحالة عليه بتاتا في قوانين السلطة القضائية"، تقول ماء العنين التي أكدت أن "الأصل أن يتم نقل هذه الاختصاصات بعد المصادقة على قوانين السلطة القضائية بمرسوم وليس بقانون"، متسائلة عن مدى دستورية هذا القانون الذي سمح بنقل بعض اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى الوكيل العام من قبيل سلطة اقتراح التعيين في بعض المهام وهي موضع سؤال دستوري لأن الأمر فيه تناقض دستوري.
في مقابل تأكيد برلمانية "البيجيدي" على أن "هذا القانون ليس له جدوى، يرى عبد اللطيف وهبي، البرلماني في فريق الأصالة والمعاصرة، أن القانون التنظيمي الخاص بالسلطة القضائية كان كافيا لاستقلال النيابة العامة، متسائلا من جانبه عن دوافع إعداد القانون المنظم لرئاسة النيابة العامة فقط، ولماذا لم تأت الحكومة بقانون شامل ينظم اختصاصات النيابة العامة في شموليتها وليس الرئاسة فقط؟".
رفض وهبي، المنتمي إلى الفريق المعارض، لاستقلالية النيابة العامة والذي سبق أن عبر عنه خلال الولاية السابقة جاء، حسب برلماني "البام"، لأن "النيابة العامة هي من ينفذ السياسة الجنائية، وهي طرف له حق اعتقال المواطنين وتفتيش منازلهم ومنعهم من السفر وغيرها من السلطات التي يجب محاسبتها عليها وليس تركها مطلقة"، مضيفا "عندما تقوم النيابة العامة بتصرف لا أخلاقي وخارق للقانون من يحاسب البرلمان؟".
كان يجب ترك النيابة العامة بيد وزير العدل كي ندع جلالة الملك بصفته رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مكانة بعيدة عن أخطاء النيابة العامة، وبالتالي كنا نرفض أن نفتح للمواطنين بلوغ درجة معينة لا نريدها لبلادنا"، يقول وهبي الذي سجل أن سبب استقلالية النيابة العامة كان هو تحكم الرميد حين كان وزيرا للعدل في الأغلبية السابقة.
إرسال تعليق