ذ
ذذلطالما تغنت البرامج الانتخابية بشعارات "تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة".. هذه الشعارات التي تخفت ويتراجع التغني بها مباشرة مع انتهاء الحملات الانتخابية، تاركة صدى مشوها في أذهان الناخبين وتناميا في ضعف الثقة في كل الخطابات المبنية على دغدغة المشاعر، وبالتالي انعدام الثقة في جدوى العمل السياسي والعملية الانتخابية وفي المؤسسات بشكل عام.
إذا كانت قضية تكافؤ الفرص هي أساس بناء الدولة الديمقراطية التي تكفل لكل مواطن حقه في الاستفادة من خيرات بلاده، وبالتالي المساهمة الفعالة في بنائها، فقد ظلت إلى حد الآن خطاب مزايدة يستعمل للاستهلاك واستمالة جزء من الناخبين، إذ إن الغالبية العظمى من شبابنا أصبح ينفر من الخطابات السياسية ومن أي طرف كانت.
وحري بنا اليوم أن نتحلى بالشجاعة والجرأة لنقدم نقدا ذاتيا حول ما آلت إليه الوضعية السياسية ونسائل أنفسنا لماذا في بلاد رأسمالها هو الشباب نراه غير مهتم بالمساهمة في تغيير يعود عليه بالنفع.
فلنناقش بطريقة موضوعية وبناءة بعيدا عن الشعارات الفضفاضة والمزايدات، ولنترفع عن خلافاتنا ولنتجاوز ذواتنا واختلافاتنا ونضع نصب أعيننا أن الوطن فوق الجميع، ولنعمل جميعا على بناء تصور عملي واضح المعالم لهذه القضية الجوهرية، والتي هي العمود الفقري لكل تنمية في بلدنا.
فمنذ عقود اختار المغرب توجهه إلى تنمية مندمجة وغير ممركزة، بحيث اندرجت مختلف المشاريع المنجزة، سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية في إطار هذا التوجه التنموي، المنبني على مبدأ التضامن الوطني. إلا أن هذه الرؤية التنموية التي سطرت بشكل جيد على المستوى النظري لازالت تعرف تعثرات وصعوبات في التنزيل على أرض الواقع، إذ إن الفوارق الاقتصادية والمجالية تزداد تفاقما وتزداد هوة التنمية اتساعا بين مجموعة من الجهات.
ورغم الجهود التي بذلتها مختلف الحكومات المتعاقبة، ورغم الأوراش الكبرى والاستثمار في البنيات التحتية، وفي مختلف القطاعات الحيوية والخدمات (الصحة والتعليم والطرقات) لازالت احتياجات المواطن إلى أبسط الخدمات تطرح إشكالا حقيقيا في مختلف الجهات.
في هذا السياق، نجد أن الموارد البشرية (الشباب خصوصا) هي الورقة التي من شأنها أن تربح المغرب رهان التنمية. إذا تم الاستثمار في طاقة الشباب بالشكل الناجع سنكون قد ربحنا رهان التنمية البشرية والاقتصادية.
لكن كيف لنا أن نستثمر في شباب قد نال منه اليأس؟ كيف لنا أن نحيي فيه ما قتله عجزنا عن تقليص الفوارق المجالية؟ لن أطيل في طرح التحديات التي تعيق الاستثمار في الرأسمال البشري، فلا بد أن هناك حلولا لم يتم التفكير فيها أو تم اعتمادها بطرق غير حكيمة، لذلك يجدر بنا اليوم أن نتعاطى مع إشكالية تكافؤ الفرص من زاوية جديدة، وذلك بالتركيز على فترة "البطالة عند الشباب ومقاربة إشكالية تكافؤ الفرص في الظروف الممهدة لولوج سوق الشغل".
فلا يعقل لشابين تلقيا التكوين نفسه وسلكا المسار العلمي نفسه أن يجدا نفسيهما أمام وضعيتين مختلفتين تماما في فترة البحث عن العمل، إذ يتمكن أحدهما بفضل ظروفه الاجتماعية المريحة من الحصول على العمل المرغوب (سواء بتكوين إضافي أو تنقل جغرافي أسهل للبحث عن فرص الشغل أو تواجده بالمدن الكبرى) ويحرم الآخر من ذات الفرصة لا لقلة كفاءته أو ضعف تكوينه، لكن فقط بسبب عامل مادي صرف.
انطلاقا من هذا الواقع تأتي فكرة "الدخل الوطني للشباب" الذي من شأنه تمكين الشباب من الاندماج الفعلي في المجتمع، وجعل الاستثمار فيهم فعلا اقتصاديا لا شعارا لحملة انتخابية فقط.
فلا يخفى أن الشباب هو سن الاستهلاك الثقافي بامتياز، وبحرمان هذه الفئة من دخل مادي نكون قد ضيعنا فرصة نمو القطاع الثقافي من جهة وأخلفنا الموعد مع تنمية الشباب وانفتاحه على العالم بآليات تثقيفية وتنويرية، بعيدا عن شبح الفكر الظلامي الذي يطارد عقول شبابنا إن نحن تركناهم ضحية لليأس والانعزال.
إضافة إلى دورها كدعامة للتنمية البشرية، تعد هذه الآلية المقترحة (الدخل الوطني للشباب) رافعة اقتصادية من شأنها الرفع من القدرة الشرائية للشباب وزيادة الاستهلاك الداخلي الذي يعد محركا مباشرا للنمو الاقتصادي.
هذا الدخل لا يعتبر كدخل نهائي يعزز منطق الريع الذي يقتل روح الإبداع والمبادرة، بل يعد كضامن مادي لكرامة الشاب المغربي في مرحلة انتقالية من حياته، إذ نقترح في الصيغة الأولية أن يكون دخلا غير نهائي وألا تتجاوز مدة الاستفادة منه 3 سنوات غير قابلة للتجديد، وأن يتم تتبع أسدسي للمستفيد من طرف "مستشار للشباب"، إذ يمكن لهذا الأخير إعادة توجيه المستفيد لتكوينات ملائمة لمتطلبات سوق الشغل في حال نفاذ سنة دون الحصول على العمل المرغوب.
إنني لا أدعي من خلال هذه التوضيحات أنني أمتلك رؤية كاملة بخصوص هذا المقترح، بل إنني أقدم أرضية للنقاش وأدعو من خلالها مجموع الفاعلين القادرين على إغناء المقترح بالانخراط في هذا النقاش وتقديم تصورات لحلول ناجعة وملائمة لواقع بلدنا، حلول تسائل سبل تمويل هذا الدخل، وضرورة إنشاء صندوق وطني للتضامن، وإشراك القطاع الخاص والمقاولات لتفعيل مسؤوليتها المجتمعية، وتعزيز وتشجيع مبادرات المقاولة الذاتية، وإعادة هيكلة صناديق الضمان الاجتماعي، والتمويل عن طريق الضرائب
كلها تساؤلات من شأنها أن تساعدنا على توسيع النقاش والوصول إلى حل عملي لتفعيل مقترح 'الدخل الوطني للشباب' الذي يمكن أن يرى النور إن نحن آمنا بضرورة إكمال مسار البناء الديمقراطي الذي بدأناه، والذي لن يكتمل دون إدماج فعلي لجميع فئات المجتمع، وخصوصا الشباب، في دينامية بناء اقتصاد وطني في خدمة رخاء المواطن.
إرسال تعليق